تعتبر مليكة مزان من الأقلام النسائية ذوات الباع الطويل في التمرد على أقانيم المجتمع المحنطة ومقدساته الزائفة. هذه المرأة الأمازيغية أرادت لنفسها أن تكون الصدى الذي يعكس صوت الهامش وتمرده، والقلمَ الذي يكتب صرخة الشعب وحرمانه، و"النهد" الذي يرضع الشعرَ ثورته.
إن من يتأمل أشعار مزان سيجد أن الشاعرة تسعى بخطى حثيثة غير متعجلة لتشكيل نص ذي تيمة مخصوصة، ولعل فرادتها تكمن في اختيارها لثيمة ربما كانت تدخل ضمن اللامفكر فيه؛ فإذا كانت موضوعة البحر مهيمنة في نصوص حنامينة والسجن والصحراء في نصوص منيف والقضية الفلسطينية في أشعار درويش وسميح القاسم، فإن الموضوعة الأساسية التي تطفح بعبقها نصوصها هي موضوعة "النهد" الأمازيغي.
ولعل هذا ما يجعل نصوصها تمتاز بخصوصية الرؤية الأمازيغية إلى الأشياء؛ يمتزج الديني بالجنسي في كثير من الأسطر الشعرية وكأن بينهما صراعا من نوع ما، تقول مثلا: "مضاجعة الفكرة بديلا عن أيما رب".
وهذه الطريقة في الخلق الشعري تصل باللغة إلى ذروتها البلاغية، ذلك أن الصورة الشعرية ليست عدولا عن اللغة العادية كما هو سائد في نصوص الحداثيين، بل إنها عدول وانزياح عن اللغة المجازية نفسها في صيغتها التقليدية. لهذا تظل المعاني بعيدة وتحتاج لتقريبها إلى الكثير من التأمل الدلالي في العلاقات بين الكلمات والعبارات.
تحاول مليكة مزان أن لا تكبل قلمها بقيود الكتابة الشعرية التي تخنق القوة الإبداعية للشاعرة، فهي حمامة تغرد في وضح النهار وترى الأشياء بعين الصفاء، وتقتحم كل الأصقاع وتطرق كل الموضوعات دون خشية سطوة الأنا العليا، بدءا بموضوعة الدين، مرورا بالجنس، وصولا إلى السياسة، بل إن نصوصها في حد ذاتها ثورة على تقاليد الشعر نفسها.
هكذا تكون الشاعرة في غير ما حاجة إلى التقيد والحذر لحظة الخلق النصي والنقدي للخطاب الديني، لهذا نجدها تتناص مع النص القرآني من خلال التلميح والمحاكاة الساخرة، محاولة بذلك تهشيم الصورة النمطية التي كرسها التاريخ الشعري، العربي منه والمكتوب بالعربية؛ تقول: "سبحان أنثاي وتعالت عما يرومون"، وتقول أيضا: "من إذا اتخذ غير الأنثى دينا لا يقبل منه".
ومن الأكيد أيضا أن الجنس يستفحل في نصوص الشاعرة إلى حد كبير جدا، ويعود هذا لا محالة إلى القداسة المفرطة التي غلف بها منذ بداية البشرية، واستمر ذلك مع بعض الشعوب، خصوصا منها الشعوب الإسلامية. وهذا الاستفحال هو الذي يضفي على نصوصها طابعا خاصا وذوقا مميزا؛ فها هي الأنثى تتجرأ للمرة الأولى لتغيير مفاهيم الجنس الذكورية وتقول إن النهد هو "اليقين فلندخل فيه أفواجا".
أما ثيمة السياسة فمدخلها الأساسي هو القضية الأمازيغية، فقد ظلت مزان الشاعرة الوفيةً للقضية التي أدار لها الجميع ظهورهم وتولوا قبلة المشرق واللغة العربية ليتمكنوا من نيل بعضٍ من حظوة سردية أو سلطة ثقافية. تقول مثلا عن المقاومة الأمازيغية: "نهدي لآلهة الزنا/ حجر ناري بين خصاها/ بركان أمازيغي/ بلا خضوع".
كانت هذه بعض التخطيطات حول نصوص مليكة مزان الشعرية التي تلخص الثورة والتمرد المتجليين في وضع اليد على ثلاثة أثاف للبوح غالبا ما يتعرض صاحبها للمنع والمصادرة والاستبعاد. ولعل ما يجب الإشادة به في ما يتعلق بنصوصها الشعرية هو جرأتها الكبيرة التي تجعلها قدوة لكل النساء اللواتي يشعرن بالقهر والحرمان والدونية.